عائدات حقل تورتو آحميم والانعكاس البطيء على الإقتصاد الموريتاني! / الحسين ولد محمد عمر

إن أبجديات الاستثمار في المشاريع الاقتصادية الكبيرة التي تتطلب استثمار أولي كثيف لرؤوس الأموال – تكاليف ثابتة-  في الدول الفقيرة التي تفتقر للتقنية والخبرة، تقول إنه – وحسب الاتفاق المبدئي مع المستثمرين- سيتم سدادها أي (الاستثمارات) بمجرد بدء تسلم التدفقات النقدية للمشروع (العائدات)، أي “ثمن شحنات الغاز المباعة في الأسواق الدولية “
لكن قد يطرح البعض سؤال مشروعا، حول متى يختلف الوضع وتكون الدولة قادرة على الاستثمار بنفسها؟
لعل في الفقرة أعلاه جزء من الإجابة، إلا أنه وفي الدول الغنية التي ليست بحاجة إلى تقاسم عائدات مشاريعها مع الشركات الاستثمارية، تقوم بتمويل عمليات التنقيب والتطوير بطرق مختلفة. على الرغم من أن تلك العملية تتم عن طريق الشركات الاستثمارية الخاصة، إلا أن بعض تلك الدول تقوم بتمويل عمليات التنقيب بنفسها، والبعض الآخر يكون اتفاقها على أن تتحمل جزءا يسيرا من الخسائر في حال كان التنقيب سلبيا، والبعض الآخر لا يتحمل أي استثمارات وهي عملية عادة تقبلها الشركات الاستثمارية التي تتخذ قرار الاستثمار  مقابل استرداد كل استثماراتها مثل ما حدث في مشروع GTA
 إن بعض الدول الخليجية التي بدأت الاستخراج منذ عقود مثل الإمارات، قطر، الكويت والسعودية التي تمتلك إحدى أكبر الشركات العالمية ” أرامكو “، أصبح في رصيدها تجربة مهمة و رؤوس أموال كافية تجعلها قادرة أولا على تحمل تكاليف الاستتثمار، ثم إنها ثانيا أصبحت مساهمة أو تدخل في شراكة مع العديد من الشركات العالمية، وأقرب مثال على ذلك، توقيع ” قطر للغاز ” على عقد شراكة مع شركة شل الهولندية تستحوذ بموجبها على حصة 40% في المنطقة “سي 10” (C10) البحرية الاستكشافية الواقعة قبالة الشواطئ الموريتانية
لقد أثار وزير الاقتصاد والتنمية المستدامة عبد السلام محمد صالح زوبعة على وسائل التواصل الاجتماعي حين صرح قائلا بما معناه أن عائدات موريتانيا من حقل تورتو آحميم الكبير (GTA) لن تنعكس مبكرا على الاقتصاد الموريتاني – قالها قبله وزير الاقتصاد السابق عثمان ممدو كان في مقابلة مع مجلة إفريقية – مستشهدا ببعض الدول الخليجية وإن لم يسمها بالاسم، إذ ستنتظر سداد التكاليف الاستثمارية لشركتي BP و Kosmos Energy وهو أمر بديهي بالنظر إلى أن موريتانيا لا تملك رؤوس أموال كافية، والشركتين هما اللتان استثمرتا في المشروع على ان تستردا مبالغ الاستثمار بعد بدء عملية الانتاج
كما هو معلوم لدى الجميع – أو للمهتمين – فقد تأخر الانتاج عن موعده المحدد سلفا، أي سنة 2022، بسبب ظروف طارئة تعرضت لها العالم أجمع والشركات المطورة للحقل بشكل أخص خلال عملية سير المشروع أدت إلى تأخير عملية الانتاج والمتمثلة في جائحة  كوفيد-19 ، كما قامت قامت شركة McDermott International  بمقاضاة BP بزعم عدم حصولها على مستحقاتها التعاقدية، بالاضافة إلى استقالة مديرها برنار لوني بسبب علاقات مصالح غير قانونية داخل الشركة 
ومع ذلك فقد شعرت موريتانيا والسنغال بالحرج من كثرة الوعود التي أطلقتها بي بي حول بدأ عملية الانتاج ما اضطر السنغال إلى التغيب عن أحد الاجتماعات الدورية في نواكشوط مع شركة بي بي، كما طالب وزير البترول الموريتاني من الإمارات على هامش كوب 28 شركة  بي بي إلى الاسراع في تنفيذ المشروع بالنظر إلى أن موريتانيا لديها خطط اقتصادية تنموية تنتظر عائدات المشروع
ومهما كانت الآمال المبنية على مشروع GTA كبيرة، إلا أن واقع موريتانيا المتمثل في فقرها وضعف محتواها المحلي وتهالك بنيتها التحتية يجعل انعكاس هذا المشروع على اقتصادها بطيئا ومختلف تماما عن السنغال، التي يبدو اقتصادها أكثر تطورا وكادرها البشري أكثر كفاءة، ومن المنتظر بناء على ذلك أن يظهر اقتصادها علامات استجابة أسرع من الاقتصاد الموريتاني الذي سيبدأ أولا في بناء قواعد وأسس سليمة للانطلاق كما فعلت دول أخرى حظيت بمشاريع مماثلة
بالمحصلة 
الدول التي لا تملك رأس المال ولا التقنية ولا الخبرة المطلوبة، ليس أمامها إلا هذا النوع من الطرق التعاقدية لاستغلال ثرواتها، وتبقى طريقة استغلال المتاح من عائدات المشروع مسألة متوقفة على الشفافية التي لاشك أن مخاوفنا كموريتانيين تجاهها مشروعة للغاية

زر الذهاب إلى الأعلى