لنُكْرِم السَّمعَ بعد التسعين /محمد الشيخ باب أحمد

لقد كان بروتوس إبن القيصر البر و أحب أبناء القيصر إلى القيصر….ولكنه طعن أباه في الخاصرة بخنجر مسموم ….و عندما سأله القيصر …حتى أنت يا بروتوس؟؟؟ أجاب الإبن : أبتي إني أحبك حبا عظيما ولكن حبي لروما أعظم !! صرخ القيصر العظيم :

                      إذا ليمت القيصر.  

تسعون يوما على تنصيب الرئيس الغزواني خلفا لصديقه و وريثا مجتهدا لمخاض الجمهورية الثانية ،،، تخلل التسعين أمل كبير – لا مبرر يُعزِّزُه – أمل لم يحظى به رئيس موريتاتي بعد التأسيس قط !! أمل أشبه في مكمنه بتفويض ضعف القوى السياسية و عجزها الشامخ على أُتون كل استحقاق وعقب كل تنصيب ،، تفويضها الأمر إلى سلطان الترقب ” لعلَّ و عسى ” إذ تجاوز الفشل معنى وجودها الحرفي إلى مجرد تمايزها عن بعضها البعض في السبق البياناتي لربطِ فعلها المعارض بوقار الرفض !

كانت التسعين بالنسبة للرقيب الوطني فرصة لإعادة ترتيب المشكل الموريتاني في نسخته الأصقل تحليلا ، فنحن اليوم على أرائك اليقين أن لا أزمة سياسية في موريتانيا بالمعنى الدارج للتأزم السياسي أو الشغور الأزماتي لقنوات التسيير الحيوي! إنما نعيش حالة من لا فهم نظرية التطور المواقفي في أكناف الدولة و على حساب المكسب السياسي ! حالة من فقد متانة المشروع أفرزت سحلَ قيمة الموقف و قيمة التأثير السياسي المباشر في قلب وبين أيادي الكتل المعارضة بتسمياتها الكثيرة و ركودها المشترك! حالة جسدت قدرة الغريم العسكري المتسيِّس على إرساء مقومات نظامه و فقا لما يمكن اعتباره ” شكلا” ديموقراطيا ” مباحا ” لممارسة التناوب السلطوي،،، و هي الحالة التى نقرأها على نحو فواصل ( ستاتي بوليتيكية و سوسيو ديناميكية ) لفهم المعضلة التنموية القومية و هي الحاجة الوطنية الصارخة و المرتبطة جذريا بالمناخ السياسي الصانع للتشريع و المشرف على التنفيذ بآلياته الحاسمة .

● الثقب السياسي

كيف أصبح حجر الزاوية للسلوك الإستراتيجي
المعارض، صفا إحتياطيا تكتيكيا للمولاة ؟؟ تكتل القوى الديموقراطية نموذجا !

{ تتجذر أزمة الثقة في الجسم المعارض إلى حد أخرجته من لبوسه المميزِ له و قزَّمت دوره المنوط به } الدكتور ديدي ولد السالك

ماذا لو أن إنقلابا خارجا على نسق تاريخنا السياسي و تقنين الأنظمة الداخلية الناظمة للأحزاب ، حدث على مستوى المكتب التنفيذي لحزب تكتل القوى الديموقراطية و تم بموجبه عزل الجماعة المغاضبة لقرارات الحزب عزلها لرئيس الحزب عن أي منصب تنفيذي له و إحكامها القبضة على موقفها الموحد و الدفع به إلى قواعدها الجماهيرية ؟؟ كان ذلك وحده كفيلا بتضمين مفهومية النضال و الحفاظ على صلابة تاريخ الحزب الأعرق سياسيا ! أيضا كان موقفا ورديا كهذا ليستقطب أضعاف منتسبيه من الحالمين بموقف جاد في عمليات التموقف و التبرزخ !!! و الأهم من ذلك أن موقفا من هذ القبيل الصعب !! كان ليجعل ماكنة المتسييسين من الجنرالات تقف عند حدها الأدنى في تدجين مسكَنة المثقفين !!!

إن قرار ول أمات و صحبه الإنسحاب من الحزب يُعرَّفُ منهجيا بالقرار البسيط ! و السياسة مومس تمتهن ركلَ البساطة في البسطاء إنها تميل لضخ الممكن العنيف و المركب عن وعي ، و بميولها ذلك خسرنا نضال فتية الحزب و إشعاع كوادره و خسرنا السير خلف ذاتية موقف رئيس الحزب و نحن لا زلنا نخسر أبدا ما دمنا نمارس لعبة نجهل عواقب أخطائها.
هذا حال الرقيب !! فكيف بحال نصيرالحزب الواعي و منتسبيه الآملين و أعضائه العاملين المُتَفانين و قيادييه المبعَدين لآرائهم السجينة !

يشهد كلاسيك السياسة الوطنية و التكتل شَمسُه و شَيخُه ، ترهلا عجيبا و مُضِيا غريبا على النحو نفسه ! إذ يُعتبر كل ناقد للحزب متحاملا على النضال و ورجالات النضال و الحق أن النضال ليس فاتورة تسدد آخر كل موسم ، لتعاطي سمعة النضال !! بل الحريُ بكل مناضل أن يكفَّ عن نضاله مادام يؤذي جسم الوطن كل هذه الأذية ! لقد خسرنا كل شيئ كان ممكنا قبل سلاسة إعادة الجنرال لنفسه في نسخة زميله المطيع .

● الغزواني الذي أحرز نصر رفاقه على المدنيين !

إذا كان لابد من موت الملك…. فليمت و هو واقف ! لأن الفلاح و الحداد و هما نبض هذه الدولة يحتجان لمن يثقان به حتى الموت
( نابليون بونا برت )

ما سمعنا سَفها يضاهي انتشار بحبوحة ( إستمرار النهج ) متى ندرك أن اللعبة تقتضي أن يمارس المنتصر ما بدا له بكل تعسف و طمأنينة !! في حدود إجرائية القوانين و النظم .

تستغرب أصوات هنا وهناك من تعيين فلان بهذا الحقل و إعادة الثقة لعلاَّن….!
كأننا نتجاهل أنهم المنتصرون و الحكم اليوم حكمهم الذي صرفوا لنيله طيَّ المسافات و وعودَ فكفكة العزلة و الإعتزال ….حكمهم الذي سندفع كموريتانيين ثمنه غاليا عبر السنين ! و علينا أن تستكين لذلك لنتحسي معا كيف يكون التشدق من وراء البيانات الحزبية السخيفة و ابتلاع المرتجل من المواقف و التعاليق على شطح المتحدثين باسم الحكومة و باسم الشعب و الوطن….نحن المسؤولون أمام قلة حيلتنا اليوم !

في اليوم الموالي لإعلان نتائج الإقتراع المباشر لم يعترف معارض واحد بخسارته هيهات!! بل بدأت سبحة إجراءات الطعن المملة تودِع الحبَّةَ الحبَّة ، و بعد تنصيب النهج للنهج ، و بمجرد دعوة عابرة أُدخِلوا واحدا تِلوَ الواحد إلى القصر كأن الإنتخاب زائف لا نقبله و البيعة ممكنة حسب التمكين !!! ثم خرجوا علينا بضرورة فتح حوار !!! حوار منْ مع من ؟؟ الله تعالى وحده يعلم .

لقد سمعنا كثيرا عن السيدة التي كلما طلَّقها وافد صكَّت سمعه بمدح من سبقه و لم نراها قبل أيام المعارضة هذه …فلنكرِم السمعَ بعد التسعين

إن أمل المعارضة الموريتانية في الغزواني أمل وديع يبعث للعطف ، الأمل الذي انقضى – طبعا- لا مبرر له سوى ضعف الحيلة و الخيبة الكبيرة التي سيعيشونها أمدا إلى أن يعود صاحب الغزواني بموجب العقد الديمقراطي المباح إلى قصره الرمادي ! ليبدأ زخم الغاز الطبيعي و الغاز المكرر من مجرد إفتتاحيات جرائد إلكترونية إلى أرقام على لوحات البرص العالمية.

غني عن القول أن الحالة التنموية المنشودة في الدولة الحديثة ، حالة رهينة للحالة السياسية و الموارد الطبيعية في البلدان التي تفتقر للطاقة البشرية الإستيعابية لهذه الموارد تُبقِي الموارد ، مواردا صمَّاء !! و عائداتها في أحسن الأحوال عائدات الخام ! و الخام قيمته يضعها المصنِّع ! لا المُصدِّر ….و التعقيب على المآل السببي هذا بين السياسة و النمو يفضي إلى حتمية أن لا تغيير في أي حال من الأحوال لناشد الإصلاح إلا من الداخل ، و الداخل و المُصلح متنافران لتنافر الأفكار و عمق هوة المساعي و المقاصد !

{ العمل على التغيير من الداخل عمل جريئ و مغامرة كبيرة و لكنها
ممكنة بآليات غير تقليدية لنسميها ( العمل) }
الديبلوماسي الأستاذ السعد بن بيَّه

في هذ التصور الأخير خلل مربِك يتعلق بمبدأ الثقة الذي تلاشى على وقع المحسوبية دهرا ، أيضا قد لا يكون مستساغا بالتوازي و ما أفضت إليه الشعارات السياسية الجوفاء خلال السنين المنصرمة ! ثم إن كل فعل ” مصلح ” من الداخل يحتاج الإتكاء على الشفافية المطلقة للمؤسسة و الحياد القوي لجهاز القضاء …! غير أن فكرة الإصلاح من الداخل على عِلاَّتها تظل أسلم من استمرار سكرات المعارضة التى نراها أجدر بلقب النهج و استمراره !

إن الأمل الحقيقي لموريتانيا التي نتصور لا زال على المحجَّة التى قد تبيض على قارعتها دجاجة عصرنا ، تحالفا حقيقيا لنخب هذ البلد شرط أن ينتج التحالف استراتيجيات أفعاله السياسية على ضوء الحاجات الواقعية لا من خلال أفكاره الطوباوية العظيمة و بشيئ من تصوف المواطنة الحاد ، تختفي معه ” أنا ” القبيلة و ضمائرها المجرورة و عمائمها المجترة ، أو ليخرج بروتوس العظيم إلى الصفوف الأمامية ليرى كيف أن موت القيصر لم يكفي لبناء ما دمّرته الحروب في روما.

زر الذهاب إلى الأعلى