غريق نهر الخنزير”.. تنوّع الأجناس الأدبية في سيرة سورية لنهر وكاتب
يحملنا الشاعر والقاص والمترجم السوري عبد الرحمن عفيف في كتابه “غريق نهر الخنزير” إلى قريته الريفية الساحرة “عامودا” -التابعة إداريا لمحافظة الحسكة (شمال شرقي سوريا)- فيصوّر مشاهد لـ”نهر الخنزير”؛ وهو النهر الذي يخترق القرية باثا فيها الحياة منذ القِدَم، وذلك قبل أن يجفّ وتجفّ معه مصادر الجمال والفرح.
وعلى مدى 300 صفحة من القطع المتوسط، يأخذنا الكاتب في رحلة ملؤها الحنين -في ما يشبه فصولا من سيرة ذاتية- إلى عامودا؛ فنتعرّف على الوجوه الأثيرة لديه، وعلى قصص العشاق، والحكايات الشعبية، وطقوس الفرح والحزن، وغيرها من مظاهر الحياة وجمالها في تلك القرية بأسلوب فريد يتخذ من تنوّع الأجناس الأدبية (القصّة، والإشراقة، والشعر) أداة فنية لاستيعاب مختلف المظاهر الحضارية في عامودا، والتحولات التي طالتها في العقود الأخيرة، وأثر ذلك في وجدان الكاتب وسيرته.
ويتألف الكتاب -الصادر حديثا عن منشورات دار رامينا، لندن- من 3 فصول: أقاصيص، وإشراقات، وأشعار. وتشترك تلك الفصول جميعها في محاولات الكاتب المستمرّة للقبض على ذكريات الطفولة والشباب في قريته؛ الفضاء الذي تدور في فلكه معظم نصوص الكتاب وموضوعاته.
في رثاء النهر
يستهل عفيف فصله الأول “أقاصيص” بمجموعة من القصص القصيرة التي تبدو محاولة لنقل صورة بانورامية شاملة عن الحياة المستقرة والهادئة في عامودا، وهو استقرار لا ينغّص هناءه سوى الفقر و”نكران” المحبوبة لعيون القاص الذي يراقب حركاتها في حلقات الرقص الشعبية في عرس قروي بسيط.
حينها كانت العواميد المطوِّقة لنهر الخنزير -شريان المدينة الوحيد- لا تزال تفرد “ظلالا وأنفاسا رطبة مريحة” يستعذب العشاق السير تحتها مساء، متنعمين بشذا الورود المرصوفة على جانبي النهر.