قراءة في شرارة الحرب بين إيران والكيان الصهيوني

في ظل تصاعد التوترات الإقليمية وتعقيد المشهد السياسي في الشرق الأوسط، بدا واضحًا أن الظروف السياسية والعسكرية قد أوجدت بيئة مناسبة أمام الكيان الصهيوني لاتخاذ قرار تنفيذ هجوم شامل على إيران، يستهدف مواقع استراتيجية وقيادات بارزة في المجالات العسكرية والعلمية النووية. هذا القرار جاء رغم انشغال إسرائيل بعملياتها العدوانية المستمرة في غزة، ما يعكس أولوية أمنية تضع إيران في قلب الاستهداف.
تستند هذه الخطوة إلى قراءة إسرائيلية دقيقة للتحولات التي شهدتها المنطقة منذ حرب تموز 2006، حيث برز حزب الله كقوة عسكرية قادرة على مواجهة الجيش الإسرائيلي، ما دفع طهران إلى تبني استراتيجية “الدفاع المتقدم” التي تقوم على بناء وتعزيز القدرات العسكرية لحلفائها ووكلائها في لبنان والعراق، ولاحقًا في سوريا واليمن. لكن تراجع نفوذ حزب الله بفعل استهداف قياداته، إضافة إلى الاتفاقات السياسية مثل وقف إطلاق النار مع لبنان وسقوط النظام السوري، أسهم في تآكل الحماية الاستراتيجية التي كانت توفرها هذه القوى لإيران.
الدراسة التي نشرها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات توضح أن الهجوم الإسرائيلي على إيران لم يكن وليد اللحظة، بل كان مخططًا له قبل أبريل 2025، إلا أن رغبة الإدارة الأمريكية آنذاك بقيادة دونالد ترامب في إعطاء فرصة للدبلوماسية من خلال محاولة وقف تخصيب إيران، أجّلت هذا الهجوم لمدة شهرين. هذه المهلة كانت اختبارًا صعبًا أظهر محدودية قدرة إيران على الصمود في ظل الضغط العسكري والسياسي المتصاعد، خاصة مع تآكل أذرعها الإقليمية.
المفارقة تكمن في أن التورط الأمريكي في هذا الصراع يبدو مرهونًا برغبة ترامب في عدم الانجرار إلى مواجهة واسعة، مع حرصه في الوقت ذاته على دعم إسرائيل بشكل قوي، خاصة إذا فشلت تل أبيب في تدمير البرنامج النووي الإيراني. ورغم أن الولايات المتحدة تفضل المسار الدبلوماسي، فإنها لا تتردد في توظيف القوة كوسيلة ضغط على طهران، وهو ما تجلى في تصريحات ترامب التي أشاد فيها بالهجوم ووصفه بـ”الناجح جدًا”، محذرًا من أن المرحلة القادمة ستكون أكثر حدة إذا لم تعاود إيران المفاوضات بشروط واشنطن.
من جهة أخرى، يستبعد التقرير قدرة إسرائيل على القضاء نهائيًا على المنشآت النووية الإيرانية، خاصة تلك المحمية بعمق تحت الأرض، مثل موقع فوردو. وهذا يفتح الباب أمام احتمال استمرار التوتر لفترة طويلة، بل واحتمال اشتعال أوسع في المنطقة، رغم أن التقرير لم يتطرق صراحة إلى سيناريوهات التصعيد الإقليمي، وهو أمر يبدو محتملاً بالنظر إلى ردود الفعل الإيرانية التي استهدفت قلب الكيان الإسرائيلي، في سابقة تُعد الأولى من نوعها منذ سنوات، ومهدت لنهاية الوهم الإسرائيلي الذي طالما سعى إلى طمأنة مستوطنيه عبر التأكيد على أمنهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
باختصار، يمكن القول إن المشهد الراهن يكشف عن تحولات استراتيجية عميقة في المنطقة، حيث توازن القوى الإقليمي يتغير تدريجيًا، والخيار العسكري يبقى دائمًا واردًا، لكنه مرتبط بتحولات سياسية داخلية ودولية معقدة، تجعل من الصراع الإيراني الإسرائيلي أحد أبرز المحاور التي ستحكم مستقبل الاستقرار أو التصعيد في الشرق الأوسط.