دبلوماسية التوازن: موريتانيا بين الكبار

منذ تسلّمه مقاليد السلطة في 1 أغسطس 2019، قاد فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني تحولًا تاريخيا في السياسة الخارجية الموريتانية، جعل منها أداة فاعلة لدعم الأمن الوطني، وخلق الشراكات الاستراتيجية، وتعزيز حضور البلاد في المحافل الإقليمية والقارية والدولية الكبرى. وبأسلوب هادئ وحازم في نفس الوقت .
أعاد فخامة الرئيس رسم ملامح الدبلوماسية الموريتانية، لتتحوّل إلى مبادرات مبتكرة تتعاطي مع التحديات بعقلانية وبرغماتية وتعمل بمرونة لتحقيق المصالح الاستراتيجية للبلاد .
وفي محيط جغرافي تطبعه الأزمات والاضطرابات والنزاعات العابرة للحدود، استطاعت موريتانيا أن تظل نموذجًا للإستقرار السياسي والسلم الأهلي. وقد جاءت مقاربة فخامة الرئيس للديبلوماسية شاملة وواقعية فقد جمعت بين سياسة تصفير المشاكل مع الجيران والإنفتاح على كل القوي العالمية دون استثناء رغم حالة الإستقطاب غير المسبوق على الساحة الدولية.
لقد كان موقف موريتانيا من حصار مالي ورفضها للمشاركة في تجويع شعبها قرارًا تاريخيا رغم الضغوط والإكراهات
فموريتانيا تدرك أن التاريخ سيسجل في صفحاته أنها وقفت ذات يوم بكل ثقلها في وجه مخططات التضييق على شعب تتشارك معه روابط وعرى لا يمكن فصلها.
وفي نفس السياق حرص فخامة رئيس الجمهورية على مد اليد لكل دول الجوار دون استثناء.
فموريتانيا وحدها قادرة على أن تخاطب الجميع رغم حالة القطيعة المستفحلة بين بعضهم.
كما ظلت حريصة على تعاون وثيق مع دول الجوار والشركاء الدوليين في قضايا الأمن في الساحل ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة غير النظامية .
شكل تولي فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لرئاسة الاتحاد الإفريقي من فبراير 2024 تتويجًا للدور المتصاعد لموريتانيا على المستوى القاري.
وخلال هذا المأمورية على رأس منظمة القارية ، لم يكتفِي فخامة الرئيس بممارسة المهام البروتوكولية، بل حقق إنجازات ملموسة على سبيل المثال :
• قمة نواكشوط للتعليم التي شهدت حضور رؤساء دول ومنظمات كبرى، وأسست لرؤية قارية في إصلاح التعليم وربطه بالتنمية الشاملة.
• المساعي الدبلوماسية لحلّ أزمات ليبيا والسودان والكونغو الديمقراطية، حيث رعت موريتانيا مؤتمرات وساهمت في تسهيل الحوار السياسي.
• دفع إصلاحات داخلية في الاتحاد الإفريقي، لتحسين كفاءته عبر تحديث آليات الإنتداب وتقييم الأداء.
• إعلان نواكشوط (18 نوفمبر 2024)، وثيقة استراتيجية طموحة ترتكز على الزراعة والطاقة والبيئة والأمن الغذائي، وتعتبر بمثابة خارطة طريق مستقبلية لقارة أكثر اعتمادًا على ذاتها.
حشد تمويلات كبرى لدعم الشباب والتنمية المستديمة والطاقة في قمم احتضنتها أبيدجانه وهامبرك وباكو وبريكسل ومدريد
أدرك فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني مبكرًا أن استقلال القرار السياسي يمر عبر تنويع الشراكات. فمدّ الجسور مع الشرق والغرب، وفق منطق المصلحة المتبادلة، مع الحفاظ على ثوابت الدبلوماسية الوطنية.
• مع الصين، ارتقت العلاقة إلى شراكة استراتيجية خلال القمة العربية-الصينية في سبتمبر 2024، شملت ملفات الطاقة، الزراعة، والبنية التحتية، وتُوّجت باتفاقيات حيوية خلال مؤتمر تشنغدو 2023.
• مع الولايات المتحدة والبرازيل، أعاد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني صياغة دور موريتانيا القاري، حيث شارك في قمة G20 بالبرازيل في قمة البيت الأبيض في يوليو 2025، مبرزًا موقع البلاد ومواردها الهائلة.
• مع الاتحاد الأوروبي وإسبانيا، حصلت موريتانيا على تمويلات غير مسبوقة (تجاوزت 900 مليون يورو)، وجرى توقيع إتفاقيات تعزز أمن الحدود، وتدعم التعليم، والطاقة النظيفة.
مشاركة رئيس الحكومة الإسباني مع ثمانية وزراء في قمة نواكشوط الثنائية شكّلت مؤشرًا واضحًا على وزن موريتانيا الجديد في الضفة الأخرى من المتوسط .
كما شارك فخامته بقوة وفاعلية في قمة السبع الكبار في إيطاليا ممثلاً عن إفريقيا،
عربيا
عززت موريتانيا حضورها في المحافل العربية ودافعت بكل قوة عن قضايا الأمة العادلة وعلى رأسها قضية فلسطين التي ظلت حاضرة في كل اللقاءات والإجتماعات الثنائية أو متعددة الأطراف وآخرها قمة البيت الأبيض التي أعاد فيها فخامة الرئيس التذكير في لحظة ديبلوماسية خاصة أن نكبة فلسطين هي سبب للعديد من الصراعات والأزمات في المنطقة والعالم .
أدرك الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني أن بناء اقتصاد قوي هو أداة دبلوماسية بحد ذاته . فأسّس بيئة جديدة للاستثمار وتم إطلاق تصدير الغاز الطبيعي بداية العام الجاري ، وسط الإهتمام المتزايد من شركات دولية كبرى، مما يمهّد لثورة اقتصادية مستقبلية قد تجعل من موريتانيا أحد الأقطاب الطاقوية في غرب إفريقيا.
كوجهة مستقبليّة لصناعات الهدروجين الأخضر
خلال ست سنوات، أعاد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني رسم المشهد الدبلوماسي لموريتانيا، لتتحول موريتانيا إلى دولة وازنة تُدعى للمبادرة وتُستشار في القرارات. لقد جمع بين القوة والمرونة، بين المبادرة والحكمة، وبين الواقعية والطموح، فكان صوت موريتانيا حاضرًا في قمم الاتحاد الإفريقي والعالمين العربي والإسلامي ، وفي البيت الأبيض والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين واليابان وكوريا الجنوبية
وقبل ذلك في الجوار الإفريقي القريب .
بقلم : سيد محمد ادوم أعمر عبدى